Explore the vast range of titles available.

تتعرض بلاد الرافدين إلى خطر الفيضانات السنوية لنهري دجلة والفرات، ويبدو أن احد هذه الفيضانات السنوية كان كبيرا وعنيفا وظل عالقا في ذاكرة سكان بلاد الرافدين، ثم نقلها السومريون في أساطيرهم ومنها أسطورة الطوفان السومرية، وعندما جاء البابليون والآشوريون اقتبسوها منهم وسرعان ما انتشرت في أساطير بلدان الشرق الأدنى القديم، ويبدو دور الانتماء العرقي والاجتماعي والسياسي في عملية الاقتباس عند كتابة أسطورة الطوفان ومنها طبيعة اختيار الناجين من هذا الطوفان.

عدت الطقوس الدينية من اهم العوامل المساعدة في ديمومة العقيدة الدينية واستمرارها في أديان الشرق الأدنى القديم, ومن بينها الطقوس الدينية السرية المرتبطة بعقيدة الإله الغائب وعلاقتها بالتجدد السنوي الدوري للطبيعة، وعملية استحضار الإله في هذه الطقوس هي عقيدة صوفية هدفها الاتحاد مع الإله ومن ثم مشاركته في آلامه ومعاناته ومساعدته في تجاوز المحن وتحقيق أهداف معينة، وظهرت هذه الطقوس السرية في أديان الشرق الأدنى القديم وبشكل كبير في عقيدة الإله الإيراني المولد والروماني النشأة (ميثرا)، ويبدو أن جذورها بابلية، ومن بين هذه الطقوس هي طقوس الإله الغائب (مردوخ) في حضارة بلاد الرافدين، ومن خلال بعض النصوص البابلية والتوراتية يمكن الافتراض بوجود طقوس سرية داخل المعابد البابلية، ومنها طقس المائدة المقدسة، ودور الكهنة في عملية الاتحاد مع الإله وتحقيق بعض الأهداف السياسية من هذه الطقوس، وربما قد يفسر اهتمام الملوك البابليين في الأشراف المباشر على إدارة المعابد ما هو إلا خوف من تمرد أو سطوة كهنة المعابد على سلطة الملك وصلاحياته الواسعة.

رافقت الإنسان فكرة تجسيم الآلهة منذ العصور الحجرية القديمة عندما آمن بعالم الآلهة، ولعدم قدرته على المشاهدة المباشرة ماديا لها؛ لذلك نظر الإنسان إلى تلك الآلهة وهي تحمل صفات ومشاعر تشبه صفات ومشاعر وتفكير الإنسان، كأنها امتلكت أعضاء تشبه أعضاء الإنسان ولها مشاعر وعواطف، وفكرت مثلما فكر الإنسان، غير أن لها قدرات خارقة أعظم من قدراته، وفي هذا البحث نحاول الوصول إلى معرفة، هل أن الإيرانيين القدماء آمنوا بفكرة تجسيم الآلهة أم لا؟ وإذ لم يؤمنوا بفكرة التجسيم، هل هناك مؤثرات غيرت من تلك القناعات، وأدت إلى ظهور فكرة التجسيم فيما بعد؟